لا تزال الإنتخابات البلدية في لبنان تكشف كل يوم عن المزيد من المفاجآت، التي من الممكن أن تُصنَّف بأنها من العيار الثقيل، لا سيما في قرى وبلدات العرقوب، حيث عادت الإنقسامات التي كانت قائمة في ظل حكم السلطنة العثمانية، بعد أن قررت مختلف القوى السياسية، على ضفتي قوى الثامن والرابع عشر من آذار، الإبتعاد عن المعركة، تاركة الخيارات إلى العائلات، خصوصاً تيار "المستقبل"، الذي يتمتع بالحضور الأكبر فيها.
هذا الواقع ساهم بوجود لوائح مختلفة عليها مرشحون من التيار السياسي نفسه، لكن في البلدة كل منهم ينتمي إلى عائلة، إلا أن هذا الأمر يمكن القول أنه سيف ذو حدين، بحسب ما يؤكد النائب عن المنطقة قاسم هاشم، في حديث لـ"النشرة".
في بلدة شبعا الحدودية، يبلغ عدد الناخبين حوالي 13014، يقترع منهم عادة ما يقارب 6500 لاختيار مجلس بلدي يتألف من 18 عضواً، إلا أن حماوة المعركة الإنتخابية، في الدورة الحالية، قد تؤدي إلى رفع النسبة إلى حد غير مسبوق.
في هذا السياق، تكشف مصادر متابعة، عبر "النشرة"، عن مشاورات حصلت من أجل التوصل إلى مجلس بلدي توافقي، بعد أن ظهرت 4 شخصيات راغبة بأن تكون في موقع الرئاسة: الرئيس الحالي محمد صعب، نائب الرئيس صافي نصيف، العميد المتقاعد عدنان الخطيب، محمد فرحات، إلا أن كل المساعي التي بذلت من قبل جهات سياسية ودينية في البلدة فشلت، خصوصاً بعد أن عادت العائلات الأبرز فيها إلى التقسيمات التي كانت قائمة في عهد السلطنة العثمانية: هاشم، عساف، زليخة، برغش.
بناء على ذلك، رست المعركة على لائحتين، بعد توافق الخطيب وفرحات ونصيف على خوض المعركة ضمن تحالف عائلي مشترك، بوجه لائحة رئيس البلدية الحالي محمد صعب، حيث تشير المعلومات إلى أن الإتفاق هو على أن تكون اللائحة الأولى برئاسة فرحات.
بالإنتقال إلى كفرشوبا المجاورة، يبلغ عدد الناخبين حوالي 5010، من المتوقع أن يقترع منهم، بحسب ما يشير رئيس البلدية الحالي قاسم القادري عبر "النشرة"، ما بين 2000 و2300، والمعركة ذات طابع عائلي إلا أنها لا تخلو من بعض الإعتبارات السياسية، لكن جميع القوى الفاعلة في البلدة لم تعلن دعمها أي جهة حتى الآن.
عدد أعضاء المجلس البلدي في كفرشوبا 15، ستتنافس على الفوز به لائحتان، الأولى برئاسة قاسم القادري والثانية برئاسة عزت القادري، والمنافسة بين الرجلين مؤجلة من الدورة السابقة، حيث كانت بينهما أيضاً، بالإضافة إلى المتمول وسيم قصب، قبل أن تؤدي المشاورات إلى التوافق على تشكيل لائحة موحدة.
أما في كفرحمم، أصغر بلدات العرقوب، فإن المجلس البلدي يتألف من 12 عضواً، العائلتان الأكبر في البلدة هما السويد وفارس، ويبلغ عدد الناخبين على لوائح الشطب حوالي 1515، إلا أن رئيس البلدية الحالي علي فارس يوضح، عبر "النشرة"، أن العدد الفعلي هو 900 تقريباً، نظراً إلى أن هناك نحو 620 بين متوفين وعسكريين، ويتوقع أن يقترع نحو 60% منهم، نظراً إلى أن المنافسة ستكون حامية جداً، بين اللائحة التي هي برئاسته واللائحة الأخرى التي تضم مجموعة من الشخصيات.
الأحزاب الأساسية في البلدة هي: "المستقبل"، "الشيوعي"، "القومي"، "الجماعة"، بالإضافة إلى مؤيدين لـ"حزب الله"، لكن المنافسة تبقى عائلية بالدرجة الأولى مطعمة بالتنافس الحزبي لا العكس.
في الهبارية، المعركة لها طعم مختلف عن البلدات الأخرى، بعد أن أخذت طابعاً سياسياً حاداً، نظراً إلى الحضور البارز الذي تتمتع بها "الجماعة الإسلامية" والحزب "الشيوعي"، إلا أن هذا لا يمنع تأثير العامل العائلي فيها، ويتوقع أن تكون حامية جداً.
يبلغ عدد أعضاء المجلس البلدي في هذه البلدة 15 عضواً، وتتنافس لائحتان: الأولى يقال أنها مدعومة من قوى الثامن من آذار برئاسة أحمد بركات، أما الثانية فهي مدعومة من "الجماعة الإسلامية" وتيار "المستقبل" لم تسم حتى الساعة رئيساً لها.
على هذا الصعيد، تكشف مصادر متابعة، عبر "النشرة"، عن سقوط محاولة توافق كانت قائمة في بداية التحضيرات، أي قبل ما يقارب الشهر والنصف، حيث طرحت مبادرة تقوم على تسمية كل حزب من الأحزاب التالية مرشحاً عنه: "المستقبل"، "الجماعة"، هيئة "أبناء العرقوب"، "الشيوعي"، "الديمقراطي اللبناني".
وتلفت هذه المصادر إلى أن التوافق حصل بين الأحزاب الخمسة على اسم بهيج عقل لرئاسة البلدية، إلا أن الشيطان ظهر في التفاصيل، عندما تم الإنتقال إلى تسمية مرشحي العائلات، نظراً إلى أن بعض الأحزاب حاولت زيادة حجم تمثيلها عبر إستخدام هذه الورقة، الأمر الذي أدى إلى إعادة اللعبة إلى المربع الأول.
في تعليقه على الواقع الإنتخابي في هذه المنطقة، يؤكد النائب قاسم هاشم أنها تأخذ الطابع العائلي في أغلب القرى والبلدات، إلا أنه يعرب عن أسفه لحجم الإنقسامات التي ظهرت بين العائلات، لا سيما في بلدة شبعا، حيث يشير إلى أن كل الجهود التي بذلتها القوى السياسية الفاعلة، من أجل كسر حدتها، فشلت في تحقيق هذا الهدف.
ويؤكد النائب هاشم أن كل القوى السياسية أخذت خيار الإبتعاد عن المعركة، من خلال رمي الكرة في ملعب العائلات، لكنه يشير إلى أن هذا الخيار كان سيفاً ذي حدين، في مكان ما كان إيجابياً لكن في أماكن أخرى كان سلبياً، ويضيف: "لو كانت الأحزاب فاعلة على المستوى الوطني، بحيث تقود العمل بناء على المعايير الإنمائية، كان من الممكن أن يكون التنافس أفضل من الإنقسام العائلي الحالي".
ويتمنى النائب هاشم أن يكون خيار الناخبين بناء على معايير الإنماء وخدمة القرى والبلدات المختلفة بعيداً عن التشنجات، ويشدد على أنه لن يكون هناك أي تداعيات لا قبل ولا بعد الإستحقاق الإنتخابي.
في المحصلة، تكتسب المنافسة الإنتخابية في هذه القرى والبلدات حماوة لافتة على المستوى العائلي، بعد أن فضلت مختلف الأحزاب الإبتعاد عن المعركة، لا سيما بعد الموقف المسبق لتيار "المستقبل"، الذي أعلن عنه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري شخصياً، بالإمتناع عن التدخل في المناطق المتواجد فيها، باستثناء بيروت وطرابلس وصيدا.